المكتب الرئيسي عدن

التحيز في رواية ( من المكلا الى الخبر) قراءة حضارية

641

د.عبده عبدالله بن بدر

     حاولت القراءة أن تستعين بمفهوم (التحيز) المتناسل من الايدولوجيا. وطبّقته على رواية (من المكلا إلى الخُبر) للروائي البحراني عبدالله المدني, الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت سنة 2011م. واجتهد الباحث في تصنيف هذا المفهوم ودعمه بشواهد من العمل السردي نفسه حتى يصبح لهذا التصنيف معنى موضوعي ويتخلى عن المزاجيه والذاتية.       

إن المفهوم الذي استقرت عليه القراءة هو مفهوم التحيز وقد يتبادر إلى الذهن أنه مفهوم- بالاصطلاح المعاصر- أتي من حقل السياسة بالمعنى المباشر. ولكن هذا المفهوم ليس بالضرورة أن يحضر في حقل السياسة فقط بل قد يحضر في بعض الحقول المعرفية. ويجري في الفن بما فيها من النصوص السردية بكيفيات خاصة تنبثق من بنية العمل السردي نفسه.

إن المفاهيم العلمية قد تنشأ في حقل معين. ولكنها لا تظل رهينة هذا الحقل بل قد تغادره إلى حقول أخرى، وتتشكل وفقاً للنسق المعرفي والسياق الذي يلفها وتستقر فيه. وفي مجرى هذه العملية التي تهاجر فيها المفاهيم من هذا الحقل المعرفي أو الفني أو ذاك؛ تتبادل هذه الحقول المفاهيم؛ لتعزز حيويتها وتفاعلها مع المعطيات العلمية الجديدة وتكشف عن روح تجددها وقدرتها على استثمار هذه المعطيات.

 وبنظرة عابرة إلى المفاهيم في الفنون البصرية وغير البصرية نجد عملية التبادل جلية. فمثال ذلك استعارة النقد السردي مفهوم تعدد الأصوات (البوليفونية) من حقل الموسيقى. وفي الموسيقى الغربية وبخاصة في السيمفونيات نجد تعدد الأصوات لا يحول دون تحقيق التوافق الصوتي بينهما في لحظة زمنية واحدة. وهذه المزية غائبة عن الموسيقى العربية. وحين انتقل مفهوم تعدد الأصوات إلى الحقل النقدي السردي على يد الناقد (ميخائيل باختين) كشفت جوانب في غاية الأهمية عن مستوى بناء الشخصية الروائية وثرائها الفكري وتحررها من النمطية.

واستفاد الفن السردي من تقنية السينما المتمثلة في الفلاش باك. وأصبح مفهوماً تقنياً سردياً تجده متضمناً في القراءات النقدية السردية. وينطبق الأمر نفسه على الراوي الكاميرا. ليس هذا حسب؛ بل إن أوسبنسكي في كتابه الموسوم بـ(شعرية التأليف) لم يتردد في استعارة مقولة الايدولوجيا من الفلسفة ووظفها بطريقته الخاصة التي يعني بها الأيديولوجيا النابعة من بنية النص السردي نفسها؛ إذ يتجلى هذا المستوى في ما تبديه الشخصيات من الآراء في أثناء حوارها مع الآخرين وفي سلوكها, وفي أزيائها وفي العلامات, وفي طريقة التحية أو الاحترام الذي تبديه للآخر؛ لهذا فهو يرى أن كل عمل سردي لا يخلو من الأيديولوجيا.

ولعل مفهوم التحيز على صلة قريبة من مقولة الأيديولوجيا مع الفارق أن مقولة الأيديولوجيا قد ترسخت ولها تقاليدها وأصولها العميقة في الفكر الفلسفي والسياسي من القرن التاسع عشر. أما مفهوم التحيز فلم يحظ بهذه الخلفية العميقة مثلما هو الحال مع مقولة الأيديولوجيا. بيد أن المفكر المصري عبدالوهاب المسيري حاول أن يؤصل له في كتابه الموسوم (العالم من منظور غربي).وتقر هذه القراءة -المتجهة إلى النص المعني بالدرس- بأنها استفادت بطريقة غير مباشرة من هذا الكتاب. لكنها لم تختر السير على منوالها بطريقة اتباعية, بل كيفت مفهوم التحيز بما يساعدها ويسعفها في قراءة النص المقصود.

 يتجلى التحيز في حركات الإنسان وأفعاله وسلوكياته وردود أفعاله إزاء الأحداث التي تمر به وفي تشبثه بعقيدته وجنسيته ومذهبه وعرقيته. وقد يتحيز المرء للمكان الحاضن لعشيرته أو لهويته الصغيرة. وقد يتحيّز ضد الأغيار ويرى أنه أكثر تفوقاً ونسباً ورفعة منهم. ولا يعني أن التحيز يأتي على صور ثابتة ومطلقة. فصورة التحيز قد تتغير بتغير ثقافة المرء وتوسع مداركه , وليس ذلك بالضرورة أن يكون كل تحيزٍ سطحياً أو على خطأ. فقضايا التحيز في الحياة وسبلها وتفاصيلها مكان اختلاف وتباين, ولكن هناك حدود دنيا وقيم إنسانية مشتركة يمكن للبشر أن يلتفوا حولها ويتعايشوا معهاً بسلام بغض النظر عن المعتقد والجنس والثقافة المحلية. ولكن يحق للمرء أن يتحيز لعقيدته وطريقة حياته وملبسه وطعامه. على أن لا يضر هذا التحيز بالآخر ويؤذيه ويُحقّر من شأنه. ففي هذه الحالة قد يكون التحيز مرفوضاَ وغير مقبول إنسانياَ وحضارياً.

وسنبدأ بقراءة النص مع تأكيدنا أن هذه القراءة لا تدعي اندراجها ضمن القراءات المنصبة في مجرى العناية بالتشكيل الفني السردي, فهي لا تتكئ على المفاهيم والتقنيات السردية التي راكمها هذا الفن العميق , وعليه فهي أقرب إلى القراءة الحضارية وحسبها أن تكون كذلك. وبسبب توجه القراءة إلى النظر في البعد الحضاري لهذا الرواية؛ اختار الباحث مفهوماً من خارج مفاهيم النقد السردي ليقرأ به هذا العمل.

يتجلى التحيّز في هذه الرواية على النحو الآتي :

1- التحيز الفردي العفوي :

    إن هذا الشكل من التحيز له أسبابه في الوعي العشائري القبلي وطبيعة الثقافة المكونة لهذا الوعي تنتج مثل هذا التحيز لأنه يمثل حماية لوعيها التقليدي ويشعرها بتفوقها على الآخر خاصة أن هذا الآخر أتى إلى أرضها فلابد لهذا التحيز أن ينال من الآخر , وقد وقع هذا التحيز الذي يصدر عن الوعي الفردي العفوي على شخصية (سالمين عوض باسامر) والشخصية الذي مارست هذا التحيز هو عبدالله الدوسري , وتجلى تحيزه في أثناء حواره مع (سالمين) القادم من حضرموت إلى الخبر من أجل الرزق والقارئ المتأمل في الحوار ينكشف له ضعف سالمين وتعالي (عبدالله الدوسري) عليه , فهو يسخر منه وسالمين يتحمل هذه السخرية ببرود ويعدّ عبدالله (عمه) لا بالنسب , بل لمكانته الخاصة والشعور بأنه مقتدر عليه , ولكن هذه القدرة لا تصل إلى حد القمع الجسدي والنفسي كما هو الحال في التحيز المؤسسي . وكان الحوار بين عبدالله الدوسري وسالمين على النحو الآتي :

بوسعد : حالي بالتأكيد أحسن من حالك ياحضرمي يا بياع عشاه .

سالمين : أشوفك تتمصخر علينا يا عم عبدالله ” ص48.

    وحين يعلن سالمين عن رغبته في تزويج ابنته (سارة) على ابن عبدالله الدوسري (سعد) وكان الإعلان بهذه الطريقة ” تنصحني بالزواج – زوج ابنك سعد . تشتهي نصير نسايب ونزوجه (ساره).

بوسعد : أنا أناسبك أنت يا البخيل مش بُوزك” ص48.

     إن عبدالله الدوسري يشعر القارئ بأنه يتعالى فهو يرى تفوقه العرفي والنسبي على (سالمين) وكشفت اللغة التي يتفوه بها عبدالله عن استعلاء , وأن الزواج من هذا القبيل لا يمكن أن يتحقق إطلاقاً بين دوسري وحضرمية , والنص قد بادر في الهامش وشرح كلمة (بُوزك) بالآتي :

“عبارة تستخدم في الخليجية الدارجة في معرض الإشارة إلى الشيء المحال” ص48.

     ويمكن إدارج التحيز الذي تفوهت به (أم سعد) ضد (سليمة) الباكستانية في ضمن التحيز العفوي ضد الآخر , وتتحيز (أم سعد) لابنها (سعد) وتعاند لتنفي أي تهمة موجهة إليه والطريف أن (سليمة) تعرض ابنتها (زبيدة) على (أم سعد) لتزوجها على ابنها (سعد) وترفض (أم سعد) هذا العرض بطريقة غاضبة وحانقة ويشبه تصرفها تصرف (أبي سعد) فهما يصدران عن  ثقافة تقليدية واحدة لا يمكن أن تصدر إلا عن مجتمع تقليدي ولاّد لمثل هذه الشخصيات النمطية ومع إقرارنا أن هذا التحيز الموجه ضد الآخر بهذه الطريقة تحيز ساذج , ولكن له أساس في بنية الثقافة التقليدية التي تتحسس من الآخر الغريب بوصفه مجتمعاً يحمل ثقافة مغلقة تتأبى على استيعاب الآخر الغريب وحتى يكون القارئ على بينة من شكل هذا التحيز نورده بصورته الكاملة .

” تريث سعد في الخروج من غرفته كي يسترق السمع إلى ما يدور بين أمه وهذه السيدة ذات الرائحة النتنة

سليمة : هازا ولد مال أنت ما في زين !

(أم سعد) : حسبي الله عليج إذا ولدي أنا مهب زين , عيل ولدج إنتي يالمقرودة .

سليمة : أنا شوف دايما سعد يسوي مسخرة مع بنت فلسطيني جديد.

أم سعد : مسخر الله هلج وطوايفج . صج ما تستحين.

سليمة : أنت لازم سوي زواج حق سعد من شأن ما يسوي مشكلة كبير . أنا في بنت واجد حلو حق سعد .

أم سعد : ومن هذه البنت الحلوة ياحظي

سليمة : زبيدة .. بنت مال أنا

أم سعد : مالت عليج وعلى بنتش يالخايسة .. هذا الناقص .. يالله قومي دلفي قبل ما أجيب المخمة وأكسر ضلوعج” ص78-79.

  ويشرح النص الكلمات الدارجة مثل كلمة (دلفي) وتعني الطرد أو أغربي عن وجهي . والمخمة : وتعني المكنسة ” ص 79.

        والقارئ المتتبع لهذا الحوار يواجه لغة يفوح منها النظر بدونية للآخر , فالآخر هنا هو (سليمة بيغل) نتنة كما عبر الراوي على لسان سعد. وهي(خايسة) أيضاَ تأكيداً على النظرة الدونية للآخر. و(الخايس)  يعني الشيء المعطوب التالف, قد يكون طعاماً أو غيره. وإذا تلف الشيء يُصدر رائحة. والمفارقة أن النتانة والتلف في منطوق النص طبيعة أصيلة في (سليمة). وتتضافر لغة التعالي حين هددت أم سعد بالضرب وتكسير الضلوع بالمكنسة, ويمكن أن يرى القارئ أن استخدام المكنسة من (أم سعد) ينسجم مع لغة الاحتقار المستخدمة منها سابقا.فـ(سليمة بيغل) من منظورها نتنة وخايسة (أي قمامة) ولا سبيل إلى التخلص من القمامة سوى بـ(المخمة) أي المكنسة, ورميها بعيداً حتى تحل النظافة في المكان وتزول النتانة.

2) التحيز المنظم المؤسسي :

   إن البنية التقليدية للمجتمع العشائري لا يمكن أن تسمح بالتعددية حين يكون هذا الفرد وافداً من خارجها. وعليه فإن هذه البنية نفسها عاجزة تماماً عن إنتاج الشخصيات الحرة في نظرتها للمجتمع والحياة. ومن الطبيعي أن  ينبثق عنها مؤسسات أمنية لا تحترم حرية الإنسان وكرامته. وهي لا تترد في استخدام القمع على كل من يخرج عن إطار قيمها التقليدية؛ ولذا نرى (كارولين) زوجة سعد, عانت من التحيز الحاد الواقع عليها ولم يكن هذا التحيز من الأفراد , بل تحيز مؤسسي منظم يمارس ضغوطاً نفسية وجسدية على الآخر الغريب الذي يحمل قيماً مغايرة لقيم المؤسسة التي تشرّع لكل شيء وترسم للناس طريقة حياتهم وسلوكهم .

إن كارولين لم يشفع لها زواجها من سعد الدوسري. فقد عوملت معاملة قاسية وأهينت وتأذت حتى في شرفها, وقد وقعت لها حادثتان هما اللتان جسدتا مشاهد الأذى الأولى حينما ” اعترضت الشرطة الدينية طريقها وهي تتسوق مع زوجها في أحد المجمعات التجارية طالبة من سعد أن يقدم الأوراق الثبوتية ما يفيد بنوع العلاقة التي تربطهما ولما كان سعد لا يحمل في جيبه لحظتئذٍ ما يفيد بأن مرافقته الحسناء حاسرة الرأس هي زوجته . فقد اقتيدا كالمجرمين إلى مركز الشرطة , واحتجزا هناك لعدة ساعات” ص122.

أما الحادثة الثانية فكانت الأسوأ؛ إذ لم تكتف الدورية بجرّها إلى الحجز الكئيب , بل قذفوها في شرفها وعدتّ في نظرهم مومساً, وبتعبير الراوي ” أما الحادثة الثانية قد وقعت حينما اضطرت كارولين إلى قيادة سيارة زوجها بنفسها من أجل إيصاله على عجل إلى عيادة الطبيب ناجي النعماني, بعدما أصيب سعد بحالة إغماء مفاجئة بسبب ارتفاع نسبة السكر في دمه. حيث اعترضت إحدى دوريات المرور طريقها مجبرة إياها على النزول من السيارة بطريقة مهينة , اقتيدت من قبل جنود أميين لا يعرفون مفردة انجليزية واحدة إلى أحد مراكز الاحتجاز الكئيبة , حتى الضابط المناوب الذي كان يجيد بعض الكلمات الانجليزية لم يمنحها فرصة الدفاع عن نفسها وشرح الأسباب الإنسانية التي دعتها إلى قيادة السيارة , بل اتهمها فوراً بتهمة مخالفة النظام عمداً , وخرق التقاليد عن سابق إصرار” ص123.

إن كارولين بهيئتها وطريقة سلوكها تمثل تهديداً وخطراً على المؤسسة التقليدية كالشرطة الدينية ولابد من ردة فعل ضد هذا الخطر ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك في نفسية كارولين وزوجها سعد , وتكفل الراوي بتصوير مشهد التأثير على هذه الصورة “هاتان الحادثتان لم تؤججا مشاعر السخط في قلب كارولين وحدها وإنما أججت الشعور بالمهانة لدى سعد الذي لم يتوقع وهو الطبيب المرموق وابن الأسرة المعروفة أن يتعرض يوماً ما في وطنه إلى ما تعرض له شعوره بامتهان زاده مرارةً حينما سألته كارولين بعد الحادثة الثانية بعدة أيام عن معنى كلمة (كاهبا) بالعربية .

سعد : من بعد تفكير هل تقصدين كلمة قحبة .

كارولين : نعم بالضبط .

     إن التحيز المؤسسي عبر عن نفسه إزاء كارولين الحاسرة الرأس التي اقتيدت بتعبير النص (كالمجرمين) وهي في نظر هذه المؤسسة مخالفة للنظام عمداً وخارقة للتقاليد عن سابق إصرار , ولم يتردد أحد ممثلي هذه المؤسسة التي تحمي قيم المجتمع وشرفه أن يتهمها بأنها (كاهبا) بمنطوق كارولين أي (قحبة) ولا يمكن هنا أن ندرج مثل هذا التحيز ضمن التحيز الفردي بل هو تحيز حضاري يستقوي على الآخر بالمؤسسة , له مرجعياته القارة في الثقافة وفي المذهبية التي تلف هذه الحضارة بطريقتها الخاصة وفي تصوراتها النمطية عن الآخر الغريب قيماً وعادات وتقاليد غريبة أيضاً ومريبة , وهذا هو الأخطر بالنسبة للثقافة المتحيزة وبسبب ثقل التحيز المؤسسي المنظم دفع سعد ثمن زواجه من كارولين غالياً إذ وجد عنتاً وتعصباً , ومضايقة له ولزوجته (كارولين) من هذه البنية التقليدية التي تواجه التغيير بشدة , وترفض الآخر, واستطاعت هذه البنية أن تهزمه فكرياً وعاطفياً , فغادرها كرهاً إلى (البحرين) الأكثر انفتاحاً وتقبلاً للآخر.

3) التحيز للأصل :(الهوية الصغيرة الضيقة )

       إن التحيز الذي نعنيه هنا هو التحيز الذي يصر بأن شعباً أفضل من شعب آخر وأن قومية تتفوق على أخرى بعرقها وجنسها وثقافتها , ولعل النازية تمثل نموذجاً صارخاً في التحيز , وطبيعة الأنظمة الاستبدادية والقمعية تغذي مثل هذا التحيز . وفي النص المعني نرى التحيز مركباً , والطريف في هذا التحيز أنه يتم داخل عشيرة واحدة كل جزء منها يرى في نفسه الأول والأصل , وما عداه ملحقاً وثانوياً أو فرعاً له. وتبدى هذا التحيز في الحوار الذي دار بين (سعد) ومفتش الجمارك, والمفارقة في هذا الحوار أن (سعد) من دواسر السعودية , ومنطوق الحوار على هذه الصورة الآتية :

موظف الجمارك : جوازك

سعد : تفضل

موظف الجمارك : سعد عبدالله الدوسري ! أنت من دواسرهم , وإلا من دواسرنا

سعد : لم أفهم قصدك

موظف الجمارك : يعني أنت من دواسر البحرين أو من دواسر السعودية ؟

سعد : ياخي , ما في فرق

موظف الجمارك : لا بالله , في فرق , لا يكون مصدق كتب وبيانات مجلس التعاون!

سعد : على كل حال هذا رأيك , وأنت حر فيه . بس يالحبيب خلصني بسرعة .

وإزاء هذا التحيز لم يتردد الراوي , الذي غالباً ما يتجلى بوصفه راوياً عليماً بأن يذكر فضائل الدواسرة البحرينيين في تعمير (الخبر) ويجدها الراوي مناسبة في أن يعلن عن هذه الحقيقة مع اللحظة التي وطأت فيها قدم سالمين (الخبر) كمكان يسترزق فيه بعد أن ضاقت عليه جدة , وبتعبير الراوي ” ألقى سالمين برحاله في مدينة (الخبر) التي كان المهاجرون من قبيلة الدواسر البحرينية أول من سكنها قبل أن تقوم شركة أرامكو بتخطيطها تخطيطاً هندسياً رائعاً مستوحى من تخطيط مدينة نيويورك “ص19.

       إن القارئ بعد هذه الحقيقة عن الدواسرة البحرينيين يواجه بقائمة طويلة من الأسماء التي تؤكد انتماءهم لهذه الهوية الصغيرة والمهن التي يعملون بها , وأنهم أول من قدم خدمات حقيقية لأهل (الخبر) , ويخصهم بلغة تعلي من شأنهم , وترفع من قدرهم , ولا يمنح حق الأسبقية في الخدمات سوى لهم وحدهم دون سواهم , وبتعبير النص نفسه : ” إذا كان لهم حقاً .. قصب السبق في تأسيس جملة من الخدمات الضرورية في بداية نهوض (الخبر) وتوسعها من أمثال (عبدالله علي خاجة) مؤسس أول فندق عصري فخم , وأول متجر مركزي متعدد الأدوار , وعلي الوازن , ويوسف محمود حسين صاحبي أول صيدليتين , وعلي الجودر صاحب أول محل لبيع الأصواف الإنجليزية .. “

وإذا كان التحيز في الفقرات السابقة قد تضمن التحيز للهوية الصغيرة , فنرى أن هذا التحيز يتمدد ليشمل التحيز لمدينة البحرين , واختيارها وطناً للاستقرار بدلاً عن (الخبر) الذي تمارس فيها مجموعة من الإكراهات والقهر على الآخر , وقد أحال الراوي إلى كارولين وجعلها تنطق بتقديم صورة وردية , عن البحرين , فهذه مدينة من منظورها فاتنة وساحرة وتستوعب الآخر المختلف معها في العرقية وفي العقيدة, ولذا فضلتها على (الخبر) من اللحظة الأولى التي عرفتها , وتبدي الإعجاب على صيغة سؤال وجهته (كارولين) لزوجها (سعد) ينم عن قلق وخوف من مدينة (الخبر) التي قد لا تكون تشبه (البحرين) وكان سؤال كارولين لسعد هو “هل الحياة في بلدك يا سعد تشبه الحياة هنا في انفتاحها وتحررها ورفاهيتها وسحرها ؟

حاول سعد أن يتملص من الإجابة … كي لا يخدعها” ص119.

4)التحيز العاطفي النفسي

هذا التحيز كان ردة فعل نفسية ضد سالمين بعد أن تزوج (سها) الموله والمتيم بها (سعد) واللافت أن التحيز لم يظهر على لسان (سعد) , بل تولى الراوي العليم مهمة التعبير عن سعد وتحيز له عاطفياً إلى درجة مبالغ فيها ويمكن أن يزعم القارئ أن هذا التحيز ضد سالمين يمكن عده من أوهام الذات التي اختزلت سالمين في بعد واحد هو البعد الشبقي الجنسي,  ومزية هذا التحيز أن الذات الصادر عنها لا تكون في مواجهة مع الشخصية المتحيز ضدها بل يظل التحيز ينبع من الذات كلما ضغطت الذاكرة عليها وشعرت أن (سها) لم تكن من نصيبها بل من نصيب سالمين القادم من حضرموت من مدينة المكلا , تلك المدينة التي ” كانت قذرة , وغير معبدة يتسكع فيها الدجاج والأغنام والماعز وغيرها من الحيوانات الأليفة الجائعة التي اعتادت أن تأكل ما تجده في طريقها ” , ويمكن أن نورد الشواهد التي دلت على هذا التحيز النفسي العاطفي , وسوف نبدأ من ذلك التحيز الذي صدر من الراوي وهو يصف حالة سالمين بعد أن فتحت له أبواب النعيم , ويشم القارئ من وصف الراوي , ليس التحامل على سالمين , بل إصرار الراوي على عدم قدرة سالمين على التحضر , ومن الصعب أن يكون رجلاً عصرياً حتى وإن تزيّ بملابس أوروبية , فالتخلف قار في أعماقه . والراوي يبدى تحيزه ضد شخصية سالمين بوساطة بدون إلحاق اسم الإشارة بحضرميته بدون أن يذكر اسمه فيقول ” وهكذا لم يمر وقت طويل إلا وذلك الحضرمي الفقير البائس يتحول إلى واحد من أغنياء الخبر المعروفين ! بل تغير شكله أيضاً .. من شاب نحيل حليق الوجه يرتدي دوماً القميص و(الصارون) إلى رجل ناضج ممتلئ الجسم , ذي لحية سوداء صغيرة على شكل (سكسوكة) وإصرار على ارتداء البدلات الأوربية , وإن كانت من النوع الرديء والألوان الموجعة للنظر , والتصاميم غير المتفقة مع الموضة” ص89.

ولا يتردد الراوي نفسه في وصف فم سالمين بالقذارة , وتتجلى هذه الصفة للقارئ ” حينما أجلس سعد صديقه القديم على كرسي الفحص , وطلب منه أن يفتح فمه تحت أضواء الكشافات المسلطة عليه ليرى ما يشكو منه. وجد أمامه أسناناً صفراء , نخرها السوس من الداخل , ولثة مهترئة باهتة اللون تعلوها كسرات صغيرة من الطعام بسبب عدم مواظبة سالمين على تنظيف أسنانه بصورة صحيحة من جهة وبسبب استهلاكه المفرط لسجائر (إل إم) الأمريكية المفضلة لديه من جهة أخرى” ص102.

والراوي نفسه كشف لنا عن موقف ينم عن حب المال الجم من قبل سالمين إلى درجة استعداده إلى التضحية بأسنانه , ولعل هذا الموقف غير السوي يجعل القارئ يكوّن صورة عن شخصية (سالمين) بأنها مفرطة في حب المال إلى درجة أنه يضحي بجزء من جسده في سبيل الضمان المطلق لبقاء المال , وعبر سالمين عن هذا الموقف بالطريقة الآتية ” أنا مسافر للبلاد بعد شهر وأخاف الشيوعيين في مطار (عدن) يصادروا أموالي (قررت) أشيلها في ثمي (فمي)”

ويتولى الراوي إنطاق سعد وهو الشخصية الرئيسية في الرواية – الذي امتهن الطب – بتعليق يسخر فيه من سالمين  “وجد سعد المبرر سخيفاً ومضحكاُ لكنه فعل ما طلب منه في أربع جلسات دون أن يسأله عن الطريقة التي سوف يسيل بها ثروته المخبأة داخل فمه ؟ تقاضى سعد من عملية زرع الأسنان والضروس الذهبية أتعاباً قليلة , الأمر الذي جعل سالمين يخرج من عنده مسروراً ” ص104.

والراوي نفسه لم يتوازن في وصف شخصية سالمين , فقد تمادى كثيراً في تعميق صورة سالمين السلبية , ووصل به الأمر بأن جرده من طبيعته الإنسانية , واستبدلها بطبيعة حيوانية . إن القارئ يشعر بأن الراوي يصفي حساباً قديماً مع هذا الحضرمي. فالراوي يصف ليلة زفاف سالمين على النحو الآتي : ” كانت ليلة دخلة سالمين على (سها) ليلة ليلاء في حياتها . هي كانت عذراء لم يسبق لها التعرف على ارتعاشات الجسد , أما هو فقد كان بحكم زيجته السابقة خبيراً في المناورة ومطلعاً على مفاتيح الإثارة الجنسية لدى المرأة . لكنه رغم ذلك لم يستخدم خبرته في الترويض الهادئ لعروسه. هجم عليها كحيوان يرنو إلى افتراس فريسة لذيذة لطالما حلم بها , ولم ينتظر خلع العروس لفستانها الأبيض الطويل . مزق الفستان وما تحته إرباً . حملها بين ذراعيه . ألقى بها على السرير . غرس فكه وأسنانه الصفراء البارزة , ولسانه المتسخ ببقايا السجائر في جسد (سها) الوردي . لم يبق بوصة في جسدها البض إلا ودار عليها مصاً وتقبيلاً وعضاً . ولم يستكن إلا بعد أن أفقدها عذريتها وأفرغ فيها ماءه. حاولت المسكينة أن تصده , فلم تقو , حاولت أن تفهمه عن طريق الصراخ والجري والتملص من بين قبضتيه , أن ما يقوم به عملية اغتصاب , فلم تفلح . وهكذا لم تجد أمامها سوى أن تغمض عينيها الخضراوين وتستسلم لقدرها المحتوم ” ص84.

ويكرر الراوي العليم بكل شيء وصف ما يجري بالتفصيل داخل غرفة النوم المغلقة , ويبدو أن الراوي قد تمكنت منه أوهام الذات , ويستكثر على سالمين هذه المرأة الجميلة الذي ” لا يعتقها سالمين من ممارسة الجنس , حتى وإن تظاهرت بالمرض أو الصداع أو قدوم العادة الشهرية , كان يحرص على إغلاق بقالته في الفترة المسائية مبكراً كي يعود إلى منزله من أجل افتراس زوجته الجميلة . كان المشهد مشابهاً في كل ليلة , لا ملاطفة أو مداعبة أو مقدمات رومانسية , وإنما عراك في السرير . فعرق غزير يتصبب من جسديهما , فالتحام فارتعاش في لحظة القذف. فانفصال كل طرف عن الآخر لالتقاط الأنفاس , ومسح ما انسكب من الماء بصمت ” ص87.

ولا يمل الراوي من تأكيد حيوانية سالمين الذي يفترس ويعض ضحيته (سها) , وفي لحظة من لحظات تحامله على هذه الشخصية يحوله إلى ذئب جبلي ” كانت العملية تتم من ألفها إلى يائها وهي مغمضة العينين كي لا ترى وجه زوجها وهو يجثو فوقها كذئب جبلي جائع سطا على خروف من خراف القطيع . كانت تحاول بذلك أن تتخيل سعداً يطارحها الغرام بدلاً من سالمين ” ص88. وهذا موقف يدل على تحيز الراوي ضد شخصية سالمين , والتعدي على إنسانيته , إذ شغلت قضية زواج سالمين من سها (سعد) الدوسري , وأصبح لا يتخيل سالمين إلا ومعه سها على السرير , وكأن سعداً لا شغل له سوى تذوق عسيلة سها. وهكذا يختزل الراوي شخصية سعد في عضوه التناسلي فحسب . وهذا الوهم الذي هيمن على خيال سعد , يصوره لنا الراوي العليم بالتفاصيل , وبما يدور في خيال سعد كل ليلة على هذه الصورة ” ظلت أطياف (سها) تزوره كل ليلة تقريباً , كان الأكثر تكراراً هو مشهد استلقائها بجسدها الأبيض الناعم تحت جسد سالمين الخشن الأكحل وهما في حالة هز ورَزّ ” ص132. ولعل هذه الحالة تنم عن نشاط الخيال الجنسي عند سعد , ربما تجعل القارئ يستنتج أن سعداً هو الآخر يرغب في جسدها أيضاً ولا علاقة له بالحب الرومانسي المكلل بالعفة.

 ولم يسلم فرج ابن سالمين من سخرية الراوي , فهو شخصية بليدة مثل أبيه , فقد بدا فرج (لسعد) مجرد كتلة من الشحوم المتحركة ترتدي ثوباً بياقة عريضة … بدا غبياً في طريقة تعامله وتصرفه , بل أيضاً مضحكاً في لهجته التي امتزجت فيها المفردات الحضرمية والفلسطينية والمصرية والحجازية … ولم يرث من أبيه سوى شفتيه الغليظتين ووجهه الطويل, فانفرجت شفتاه عن ابتسامة متبوعة بهمسة لنفسه (لك الحمد والشكر)” ص139.

 إن سعداً بحسب وصف الراوي حمد الله كثيراً على منحه له وجهاً بشرياً رائعاً , فكارولين “هامت بوسامته وسماره وشعره الفاحم وعينيه السوداوين” ص108. أما فرج فلم يحظ إلا بهذا الوصف القبيح الذي يثير السخرية والتأفف فهو شخصية تطفح بالشحوم واللحوم.

وقد يتساءل القارئ عن مدى صلاحية مفهوم التحيز وقابليته للتطبيق على أعمال سردية أخرى , والحقيقة أن مثل هذه الأسئلة مشروعة معرفياً ومنهجياً, وكلما استطاعت المفاهيم أن تكون شمولية وقادرة على التفعيل الكلي حظيت بمشروعية. وأثبتت قدرتها المنهجية لكن المهم في هذه المسألة ليس التنظير حسب , بل والتطبيق. وعليه لا يمكن أن تكون الإجابة عن مثل هذه الأسئلة سوى بالذهاب إلى أعمال سردية أخرى , والتأمل فيها والتعمق في بنيتها , والتيقن من صلاحية مفهوم التحيز وقدرته على استيعابها , وربما يخرج القارئ بتصنيفات أخرى غير التصنيفات التي استقرت عليها القراءة المعنية , وهذه مسألة مفتوحة ولا يمكن البت فيها بالحسم , فالمسألة تحتاج متابعة وملاحقة دقيقة هي الآن في عالم التوقعات والتخمينات.

وقبل الختام لنا بعض الملحوظات على مواضع جانب فيها النصُّ الصوابَ, وكان من الممكن أن تَعفي هذه القراءة نفسها من هذه الملاحقة للأخطاء, لكن النص نفسه يصر على الإعلان عن واقعيته بطرافة لافتة. ففي العتبة الثالثة التي جاءت بعد الإهداء , والتي احتضنها عنوان التنويه جاء فيها الآتي: ” فقط الأحداث التاريخية وأسماء الساسة والمدن والمواقع والمدارس , والمتاجر وأصحابها , ليست من صنع الخيال”.ووفقاً لهذه الواقعية كان لابد من المضي في التقاط هذه الأخطاء , وهي على النحو التالي :

أ) يذكر النص على لسان سالمين عوض باسامر الآتي : ” علاوة على خبرة متواضعة تجمعت لديّ من عملي لبعض الوقت عند حسين محمد البار صاحب جريدة الرأي العام” ص14. والحقيقة أن حسين محمد البار لا علاقة له بالرأي العام بل علاقته بصحيفة الرائد . فقد كان المتصدر الأول لها في الخمسينيات , ثم لا يوجد أحد عمل معه يحمل اسم “سالمين عوض باسامر”.

ب) وفق منطوق النص , صرّح الراوي بنجاح “الماركسيين في الوصول إلى السلطة في عدن بقيادة (قحطان محمد الشعبي)”ص53. والحقيقة أن قحطان محمد الشعبي لم يكن في يوم من الأيام ماركسياً. بل كان ضحية التيار الماركسي, هذا التيار الذي يلح في أدبياته السياسية على تسمية نفسه بالتيار اليساري التقدمي. وهذا التيار أسس الحزب الاشتراكي اليمني , وكان أمينه العام والمنظر له : عبدالفتاح إسماعيل. وهو من فرض الإقامة الجبرية على (قحطان محمد الشعبي) الذي ظل رهين الإقامة إلى آخر لحظة في حياته.

ج) وفي موضع آخر نرى الراوي يقع في خطأ تسمية أول جمهورية بعد رحيل بريطانيا من محمية عدن وكل المحميات الأخرى إذ يقول الراوي ” والتي سميت باسم “جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية الديمقراطية” والصواب أن هذه الجمهورية سُميت في أول عهدها بجمهورية (اليمن الجنوبية الشعبية) وكان رئيسها (قحطان محمد الشعبي) وبعد الإطاحة به من الذين سموا أنفسهم بالتيار التقدمي اليساري تغيرت التسمية وفق الدستور الجديد في عام 1970م على النحو الآتي : ” جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ” وواضح من التسمية أن هذا التيار كان متأثراً بالتسميات الجديدة التي شاعت في البلدان الاشتراكية , مثل ألمانيا الديمقراطية وغيرها. ومثل هذه المعلومات السياسية في التاريخ المعاصر لا أظنها صعبة المنال على باحث أكاديمي يحمل دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية من جامعة أكستير البريطانية.

و يصاب القارئ بالخيبة بشأن هذه الأخطاء التي وقع فيها المؤلف. ولا يجد تسويغا ًمقنعاً في حضور الأخطاء في هذا العمل السردي المصر على واقعيته.

د) وإذا ما تركنا مثل هذه الأخطاء واتجهنا نحو تصوير لهجة الحضارمة التي ينطق بها (سالمين) في النص, كما قدمها الراوي , سنجد أن الصورة مشوهة ولا علاقة لها بلهجة الحضارمة الصحيحة ويمكن أن نسوق للقارئ المواضع التي تبدى فيها التشويه. وهي على النحو الآتي :

1- سالمين : كيه (كيف) الحال يابو (سعد)؟

وكيه المكاولات – المقاولات معك ؟” ص47

  إن القارئ المنحدر من حضرموت على يقين بأن (أهل المكلا) لاينطقون المقاولات ـ مكاولات – فهم لايستبدلون حرف القاف بالكاف بل ينطقونها مقاولات.

2- سالمين : وما يستاهلها إلا رجّال عاكل (عاقل) ومكتدر (مقتدر). أما سعد هذا زقر طايش” ص67.

إن اللهجات تختلف في بلدان حضرموت , وأهل المكلا يبدلون الجيم ياء (فالرجال) ونعني الرجل تنطق (ريال) ومعروف أن الرجّال في الفصحى جمع لمفردة رجل. أما كسر القاف في كلمة (زقِر) كما وردت في الهامش ص67 فهي غير صحيحة فزقر وتعني بالعامية الحضرمية الصبي فلاتنطق بالقاف المكسورة بل بالقاف المفتوحة.

3- “حينما استيقظ صباحاً كان إزاره وبطانيته الصوفية غارقين في آثار احتلام ليلي.. فقال متهكماً بلهجته الحضرمية : كلنا ما بايكع شيء لكن وكع (قلنا إنه لن يقع شيء ولكنه وقع) ص83

إن الحضارمة لا ينطقون بهذه الطريقة لأنهم لا يقولون يكع أو وكع بل يقولون وقع ويقع وإن كانت القاف مخففة – أما هذه الصورة الصوتية التي وصفها الراوي فهي غير صحيحة .

– سالمين : النسوان في خناكات (خناقات) طول اليوم .. كسماً (قسماً) بالله , مشتاق لأيام العزوبية والإكامة (الاقامة) في دكان أبوك الصغير” ص100

وينطبق على هذه الأخطاء التصويب نفسه الذي ذكرناه بشأن أن الحضارمة لايبدلون القاف كافاً.

– سالمين : خلاص , لك الراعة : طلكناها (طلقناها) .. ما عادت تنفع .. الاكتصاد (الاقتصاد) بس هو النافع” ص102

  ويقصد أنه طلق السياسة , واللافت هنا أن سالمين يستبدل القاف بالكاف في مفردتي (طلقناها) و(الاقتصاد) وفي هذا الاستبدال ما يثير الريبة في أصل هذه الحضرمية وهذه صورة صوتية لا يمكن إحالتها إلى حضرموت بل إلى أهل الجمهورية العربية اليمنية سابقا. وهذه مسألة أما الأخرى فإن كلمة (الراعة) لا تعني الصاعقة كما جاء في الهامش في الصفحة السابقة نفسها. وإنما تعني المصيبة أياً كانت نوعها. ولا يقتصر معناها على الصاعقة حسب.

تبقى مسألة في غاية الأهمية وهي أن هذا العمل السردي عمل جريء , ويكفيه أنه سجل لحظات مهمة من حياة (الخُبر) وكيف تدور الحياة فيها والتغييرات المعمارية التي استجدت , ومدى رفض هذه المدينة (للآخر) وبخاصة عندما يحمل هذا الآخر منظومة قيم متباينة. ونجح العمل في نقل معاناة (سعد) وزوجته , في هذه المدينة التي لم تهدأ إلا برحيل سعد وزوجته ومغادرته إلى البحرين.

وفي الأخير هذه القراءة هي وجهة نظر يمكن أن تكون قابلة للنقض, ولاتقلل أبداً من قيمة هذا العمل الإبداعي, وهي أيضاً لا تدّعي أنها بريئة من التحيز.

Comments are closed.