المكتب الرئيسي عدن

ما الفرق إذاً بيني وبين الحجارة؟

ماذا تعرفُ عن الجسد؟
أعرفُ التمرّدَ
وماذا عن الموتِ الرحيمِ؟
أعرفُ الغيابَ
وعنِ الوحدة؟
كلّ شيء عنِ الوطن والمنفى.

وعن التاريخ؟
أعرفُ العثرات الأكثر فجاعةً
ماذا بشأن الحبّ والحياة؟
لا أعرف شيئاً
أبداً.

وأنتَ تغادرُني
أرجوك
قِف عند شجرةٍ شوكيّة
وخُزَّ جسدكَ بها
لتعرفَ قسوة الرّحيل.

البيت الذي شيّدناه
على منأىً من الفقر
أهملناه بالغنى
ليعود ويتهدّم
بمزادٍ علنيّ.

بالشِّعر
نُدحرج الآثمين
على طريق الحساب
ونسنّ غفراناً لائقاً
بمآسي الخطايا.

بالشعِّر
نوحّد الفلّاحين
على العمل الدؤوب
وعلى القسمة الحقّة
بين الحصائد الوفيرة
وحشود الجوعى.

بالشِّعر
نرمّم الأنقاض 
نكنس شظايا الحرب
نتآخى…
نمجّد السلام
ونمضي حثيثًا نحو العُلا

بالشِّعر
ننتفض ضدّ الطُغاة
نصلب الخوف الرجيم
نتواسى…
نتحاذى على المصير
ونُنشد للنهاية الوشيكة.

بالشِّعر
ها هي ذي الحياة 
تتوهّج مجدّداً.

على الغُزاة أن يُدركوا
أنّ الكاريبي وجزر ليبيريا والاستوائية
ليست ملكاً لأحد
غير أؤلئك الممزوجين بأرضها،
ومائها.

ما الذي يفعلهُ إلهٌ إبراهيميّ
هنا وهناك متجوّلاً بين الشجر،
بين الممرّات الضيّقة في ربوع الغاب؟
هياكل الضحايا المدفونة بالطمي
تذكّر جيّداً تاريخ الملحمة
تاريخ الانحطاط الإنساني
تاريخ ترميز الشر بالأسود
وكلّ ما هو خير
بالأبيض.

ألعب لُعبة الموت
كي أربح/ أخسر
حياتي المضطربة
تتوق إلى الجحيم
جحيمي الخاص
لا ذاك الجماعيّ.

انظري
أيتها النسمة الشاردة
بداخل الغرفة المضاءة
وعبر الزجاج النديّ
ها هي ذي تستلقي – سيلفيا
ذات التسريحة الناعمة
وقد تلاشى عنها أثر الهيستيريا
إنها هادئة الآن، تماماً.
يُمكنكِ رميُ
تعويذة السلام الأبديّ
ففي أيام الآحاد
تكون الأمور، كلّ الأمور،
قابلة للمناقشة
للتعرّي
عدا قراءة الشِّعر.

النبيذ الذي ندلقه
على الورق الأبيض الفارغ
هو محاكاة تجريبية
لإراقة دمائنا في المعركة
دون التمرّغ في وحل الحسرات
دون عطش اليابسة
دون معاناة
دون أيّ شيء
يُذكَر.

انسي أمر الاكتئاب
وازرعي،
مزيداً من النبات
قدر ما تشائين
وهبي لها من الأسماء
كيفما تشائين
وإذا الحياة الواسعة
لم تسع أحلام طائر يتيم
دعي الحياة الأُخرى/ البديلة
تزدهر مرّةً أُخرى 
في الطمي،
في الأصائص الفخارية.

طفلٌ صغير، يُصغي،
بعينين واسعتين مذهولتين
إلى الصوت المحشرج،
لجدّه المحتضر، حكاياتٌ
أُسطورية قديمة…
يموت الجدّ، وتمضي السنون
عبر الأمكنة المجهولة، الطفل
صار بعمرٍ أكبر ممّا كانه الجد،
وآن الأوان ليحتضر أيضاً،
وحفيده ها هنا، بعمر
أقلّ مما كانه هو، يُصغي
إلى الصوت التعِب،
ولكن بعيون عمياء مغمضة،
الحكايات الأسطورية
لم تعد مذهلةً بعد.

في معبدٍ قديم
تنتصب شامخةً، إلهة الحب،
يتقطّر إكسير الأنوثة
بوجهٍ بريءٍ نضر
تبدو كأنها لم ترتكب
أيّ خطايا أُلوهية
عبر العصور المتعاقبة.

أتريد منّي أن أنساك
أن أكون بلا ذاكرة،
ما الفرق، إذاً، بيني
وبين الحجارة؟
على الأقل هي تعرف
معنى التحجّر
وقساوة النسيان.

* شاعر من السودان

Comments are closed.