المكتب الرئيسي عدن

الأثر الحضاري والثقافي العدني في شعر لطفي جعفر أمان

537

مثل شعر لطفي أمان روح عدن وسلوكها الحضاري وإيقاع حياتها الداخلي والخارجي، ليس ذلك بطريقة مباشرة أو وصفية وخارجية بل كان كل ذلك تمثلاً غير مباشر لعدن وطبيعتها الإنسانية المتفردة، كأنه تناص عميق نفسي وتربوي وثقافي وسلوكي مع هذه المدينة النص. على أن شعر لطفي رحمه الله لا يحفل بذكر عدن بشكل مباشر، ولعل هذا من أثر عدن نفسه، فليس هناك تعصب للمكان أو مبالغة في تمييزه وتفضيله، وإن كان هذا موجوداً في شعر الشعراء على مختلف العصور. فعدن في شعر لطفي ليست شيئاً نبحث عنه هنا وهناك كذكر أو وصف أو تغن أو مديح، بل كادت عدن تكون شعر لطفي نفسه، أي يكاد شعر لطفي أن يكون هو عدن نفسها، أو يكون موازياً لها وفق نظرية سيسولوجيا الأدب، فعدن هي مدينة الشاعر وقصيدته الخالدة.
 لقد ذهب الدكتور طه حسين رحمه الله إلى أن شعر عمر بن أبي ربيعة يمثل روح الحياة في مدن الحجاز في العصر الأموي، وأن شعر أبي نواس يمثل روح حياة بغداد في العصر العباسي. ولقد رصدنا جوانب هذا الأثر الحضاري العدني في شعر لطفي على النحو الآتي:
1 –  من خلال بروز النزعة القومية والإنسانية في شعر الشاعر .
2 –  من حيث الظواهر الفنية والاهتمامات والموضوعات الشعرية .
3 – ملامح النفسية العدنية في شعره .
4 –  معالم ومشاهد حضارية في عدن.
5 –  روح الرفض والثورة وسلسلة الأحداث التاريخية المعاصرة في شعره.


النزعة القومية والإنسانية
أما جانب النزعة القومية والإنسانية في شعر لطفي أمان، فقد تجلى بقوة، وقد اعتبرنا ذلك من تأثير مدينة عدن في شاعرها، فهي مدينة إنسانية بامتياز وقد تعايش فيها جميع الأجناس، فمن ملامح هذه النزعة الإنسانية في شعره ما نجده في قصائد تحدثت او عبرت عن غزو الفضاء، كمنجز علمي إنساني عالمي، وكذا الاحتفاء مراراً بمنجزات إنسان العصر الحديث، كما وجدنا ذلك في قصيدته الشهيرة «الشرق الجديد»، عند حديثه عن ماضي أمة الشرق وعن حاضرها ومستقبلها، وكذا في تفاعل الشاعر مع الأحداث العالمية كالحرب العالمية الثانية وفي «أفريقيات لطفي»، على غرار «روميات أبي فراس» و«أندلسيات شوقي»، على ما في «أفريقيات لطفي» من تعاطف كبير مع إخواننا في القارة السمراء. وما وجدناه في شعر لطفي من نزعة قومية وتفاعل مع الثورة المصرية الحديثة وقائدها الرمز جمال عبدالناصر، وغير ذلك من المضامين القومية والإنسانية. فما أكثر ما دارت كلمة أخي في شعر لطفي!
روح التجديد في الشعر والحياة
أما جانب الاهتمامات الشعرية والظواهر الفنية وما جرى لها من تأثير عدني حضاري، فإننا نجد ذلك في روح التجديد في الشعر والحياة عند لطفي، وكذا استشراف المستقبل في شعره والواقعية الشعرية في الفكر وطريقة التعبير، وفي غزل لطفي الواقعي المتفرد كتفرد مدينته في النظر إلى المرأة والتعامل معها، فضلاً عن شعر الأسرة الذي مثل ظاهرة في شعره؛ لقد لمعت في شعر لطفي كلمات عدنية من مثل: «يطحطحه، وبحبوحة، والتافه، والدهارة، ومزهر، وغيرها»، وفي آخر حديثنا في هذا الجانب، نشير إلى لطفي وهو يخاطب صورة زوجته المعلقة على جدار غرفته، فهل ما يزال أهل عدن اليوم يعلقون صور النساء على جدران غرفهم؟ أم صار ذلك عيباً وحراماً؟
روح التفاؤل والفرح 
أما ملامح النفسية العدنية وطبيعتها في شعر لطفي، فإنك ستجدها منبثة في شعره من خلال روح التفاؤل والفرح والبهجة التي فاضت بها قصائد كثيرة، ولا غرو، فعدن هي مدينة البهجة كما كان يسميها اليونان القدماء. كما ستجد روح الإيجابية ونبذ التشاؤم وكذا الحديث عن الأجيال والمنزع التربوي الذي تميز به شعر لطفي، مثلما زخرت به حياته، وكذا دوران الحديث عن الأضواء والأنوار والتطور والتغيير والكمال.
ومن ثقافة عدن المعهودة العطف على الإنسان الفقير، وهذا موجود في شعر لطفي، ومن ملامح هذه النفسية العدنية الحضارية فيه تجد الحديث عن العطور والروائح بشكل لافت، والتنظيم والترتيب والحديث عن المشردين البائسين وسكان الأكواخ والإيثار والتواضع، وحتى مسألة الرفق بالحيوان، لقد تحدث لطفي عن كلبه الأمين .
أما جانب المعالم والمشاهد الحضارية في عدن، فإنه قد لاقى طريقه إلى شعر لطفي، وهذه معالم ومشاهد عدنية من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الشاعر قد نظر إليها بعيون عدنية، فلم يصفها وصفاً من الخارج فحسب؛ فمن هذه المعالم والشواهد والمظاهر: صهاريج عدن، والميناء، والعمال، والبراكين، وجبال عدن، والمناخ، والعمران، والترف، والنساء، وتعاطي الخمر والقات، والأكواخ، والفقراء، وعابرو السبيل، وكذا الحديث الشعري عن أعلام الناس في عدن وغير ذلك .
كل هذه المعالم والشواهد والمظاهر ليست معزولة عن عاطفة الشاعر وفلسفته، بل إنه لوَّنها بدمه أي بمشاعره .
الرفض والثورة
أما جانب روح الرفض والثورة التي تميزت بها عدن خاصة والجنوب عامة، فقد التمسناها في شعر لطفي من خلال التنوير والتثوير وروح التحدي وعدم اليأس، في مثل «طفل متسول» وفي «أنا لست وهماً» و«أخي كبلوني» وغيرها.
هذه الروح العدنية الجنوبية الرافضة تجدها أيضاً من خلال سلسلة الأحداث التي شهدتها عدن وكان لها حضورها في شعر لطفي، مثل الحرب الأهلية في عدن قبيل الإستقلال، وحدث الإستقلال نفسه، وفي رثاء بعض شهداء تلك المرحلة. أما القصائد التي حملت زخم هذه النزعة الثورية الكفاحية، فمنها «بلادي يا حرة»، و«حوار مع الإستعمار»، و«الشهيد احمد بلعيد»، و«لي الموت ولكم الحياة»، و«تحية السيف»، و«من أنت»، و«أخي كبلوني»، و«انتكاسة الثورة» وغيرها.
وأخيراً، فإن هذا التناص العدني الحضاري في شعر لطفي أمان سوف نتناوله بإذن الله في بحث رصين مفصل، وليس ما ذكرناه في هذا المقال سوى خريطة لذلك البحث المرتقب .

Comments are closed.