المكتب الرئيسي عدن

هكذا .. وفجأة !.. قصة / ميفع عبدالرحمن

 خلال حرب الأيام العشرة في عدن ــ قبل نصف عقد ــ لم افقد شيئاً .

وعقبها , كان كثيرون يتصايحون ــ لكنهم نسوا أو أوشكو أن ينسوا ــ بأنهم فقدوا وثائق وحلياً ونقوداً وملابس وغير ذلك .

    لكننا جميعاً , وبالتدريج , اكتشفنا أننا فقدنا أغلى ما يمكن أن نملكه أو نفقده . اكتشفنا أننا فقدنا الشعور بالأمان .

    ثغرة كبيرة في أحد جدران بيتي  من قذيفة طائشة , فتحت في أعماقي ثغرة كبيرة .. والأسئلة الحادة , الأشد إيلاماً , ما تزال على ما هي عليه , دون إجابات .

     فصبيحة اندلاع تلك الحرب , استحال الشعور بالأمان إلى طلقة فجثة فمقبرة .

 والنتيجة أن الثغرة في الجدار بيتي تم ردمها , وعاد الجدار كما كمان , مع تغير طفيف في لون طلائه . أما في النفس , فما زالت : عميقة ومخيفة , لأن الأمر كان هكذا .. وفجأة ! .

.. وفجأة يطلقون عليك شتي ذخائر القتل : الرصاص والقذائف والصواريخ , من البر والبحر  والجو , بالمسدسات والرشاشات والمدافع والدبابات والسفن والطائرات , بكل منظومات الإطلاق !

.. وفجأة يغطي دخان البارود سماء المدينة الساحلية , الساحرة , الآمنة , الوديعة !

..  وفجأة يظلم النهار , ويتلهب الليل !

وفجأة يجري الغدر ــ كالدم ــ بالأصدقاء والنساء والأطفال والأشجار والأزهار والعصافير والنجوم الهواء والماء والتراب !

.. وفجأة ينداح حتى في قلوب أشرس المتحاربين !

ويصيح المفجوع حاكماً ــ أو محكوماً ــ بأمر الموت , وتغدو الفاجعة علامة الحياة !

                                                                                               عدن ــ نوفمبر 1991

Comments are closed.